وماذا سيفعل غانم فوق الشجرة بداخل المقبرة ، وهومرعوب من الثلاثة عبيد الذين يأكلون البشر ويطهون لحمهم ولا يعرفون بوجوده فوقهم ، وماذا يوجد في ذلك الصندوق الاسود الكبير الذي يحملونه معهم ، ااخذ غانم يرتجف رعبا وهو يستمع لقصة بخيت من فوق الشجرة بفزع ، واستكمل معكم في موقع قصص واقعية الجزء الثالث من قصة ليلة في المقبرة من كتاب ألف ليلة وليلة ج3
قال بخيت بخبث استمعا لي سوف أخبركما بما مررت بيه فحياتي مليئه بالعجائب والغرائب ، قال وهو يضحك بخبث كبير :
- كانت من عادتي وانا صبي صغير ان اكذب في كل سنه كذبة ، ولا اقلع عن عادتي هذة مهما كلفتنى من المتاعب حتى ضاق بي سيدي الذي اعمل عنده ، ولعن اليوم الذي اشتراني فيه ، وقرر بيعي باي ثمن فلقد سئم من تعذيبي وضربي بلا فائدة ، نادى على الدلال وقال له :
- بع هذا العبد على عيبة ، فقال الدلال : وما عيبة يا سيدي
- فقال الرجل متبرما ومبرئا ذمته :
- انه يكذب في كل سنه كذبة ، فاخذني الدلال الى السوق وجعل ينادي من يشترى هذا العبد على عيبة ، فاقرب الناس وسألوه وما هو عيبة ، فاخبرهم وعندما عرفوا ان من شيمتى الكذب عدلوا عن شرائي ، وبخسوا بي ابخس الثمن ، ثم وقف الدلال باح التجار فاستباه :
- ما عيب هذا العبد ؟
- انه يكذب في كل سنه كذبة واحدة ؟
- كذبة واحدة فقط .
- نعم
- وكم بلغ ثمنه ؟
- ان هذا الثمن البخس ليغري بشرائه على عيبة ، فا كذبة واحدة لتحتمل مهما جاء منها ، سادفع ستماة درهم وادفع لك فوقها عشرون ، ودفع التاجر واخذني الى بيته فاقمت على خدمته بصدق واخلاص نصف سنه ، حتى وثق بي هو واهله وانزلوني منزله اولادهم
فلما انتصفت السنه ووافى موعد كذبتي خرجت مع سيدي الى البستان في ضواحي المدية اقام فيه وليمه لاصحابة ، فبينما هم ياكلون ويشربون ويغنون وكان هو يحب الغناء فامرني بالذهاب للمنزل لاحضار عودة ، فمضيت للمدينه ولما قاربت المنزل ادفعت بالبكاء والعويل فاجتمع اهل الحي وسمعت زوجة سيدى وبناتها صوتي فهرعن الى والى الباب وسالن ماذا حدث ، فقل لهم ان سيدى كان جالس واصحابة في ظل جدار قديم فانهار عليهم فقتلهم جميعا وعبثا حاولت اخراج سيدى من بين الانقاض ، فلقد تراكت فوقه الاحجار وهشمت اعضائه تهشيما فلما رايت ذلك اسرعت لانقل لكم الخبر الشؤم .
وعندما سمعن ما قلت صرخن واعولن ، وشققن ثيابهن ولطمن خدودهن وهن لا يصغين الى تعية بل يتمادين في الصراخ وعويل ، حتى من حزن الزوجة انها اخذت تكسر وتحط كل ما قع تحت يديها من اواني ثمينه وهي تردد :
- ما اشد فراغ الحياة من بعدك يا شريك الحياة ، فقالت لي وانت يا بخيت حطم تلك الاشياء والتحف واكسر النوافذ واخرب الرفوف واكسر كل شيء ، لا اريد رؤية شيء منها امامي فلقد مات سيدك ولا قيمه لها اليوم ، امتثلت لمرها واخذت احطم كل شيء وتحف ونجف تحطيما واكسر الزجاج وانا اصرخ باكيا وارادد : وسيداه واسيداه
وبت الزوجة من فورها الى الجدران فتطليها بالاسود فساعدتها على العمل وانا اقول :
- يرحمك الله يا سيدي لقد كنت ابا حادبا شفيقا فماذا اصنع من بعدك وكيف تطيب لي الحياة من دونك سيدي ، فتسمعنى المراة وبناتها فتذداد صراخها ويتعالى صراخهن ويراهن الجيران رجالا وناء ، على تلك الحالة المفجعة فيرتون لها ويشاركهن الباء حتى تحول الحي باسرة الى ماتم كبير مؤثر بمشهد تلك النسوة الذي يمزق القلوب .
بعدها خرجت المراة لشارع هي وبناتها سافرات الوجه ممزقات الثياب ، وقلن لي :
- سر بنا يا بخيت الى المكان الذي دفن فيه سيدك لنخرجه من تحت الانقاض ونواريه التراب ، فسرت امامهن وانا اصرخ باعلى صوتي :
- واسيداه ..واسيداه .
- احقا هذا هل تردى عليهم الجدار وماتوا جميعا ، وافجيعتي ان زوجي كان معهم في الوليمه ، او هتف رجل :
- يا اسفي عليك يا اخي لقد كنت معهم ، فينضم اهل الحي الجديد الى الموكب المعول الناحب …
ومر الموكب بقصر الوالي فسال عن النبا ، فاخبروه به فتعاطمة وناداني فتحقق وقال لي :
- اين وقعت الكارثة ؟
- فاجبته في بستان السيد ودموعي تنهمر بغزارة ، فامر عدد من عمال البناء بمرافقة الموكب لاخراج الجثث من تحت الانقاض ، فاسرعت انا وسبقتهن والفتيات الصغار يلطمن : يا ليتنا كنا مكانك يا ابي ، اسرعت اركض بسرعة وسبقت الموكب للبستان وانا ابكي بقهر مرددا يا ليتنى كنت مكانك يا سيدتي .
فلما رأني سيدي وسمع قولي ، ذعر وشحب لونه وصرخ بي :
- مالك يا بخيت ما الخبر ؟
- استمرت في العويل والنحيب وقلت لسيدى ، ذهبت للمنزل فوجدت السقفه قد هوى على سيدتي وبناتها فقتلهن جميعا ، فجن جنون سيدي واخذ يسالني وهو جاحظ العينين :
- – اما سلمت سيدتك الكبيرة
- كلا يا سيدى لقد قتلت وتهشمت تحت الانقاض
- اما سلمت سيدتك الصغيرة يا بخيت
- لا يا سيدى لقد تهشمت راسها اسفل التراب
- كلا يا سيدى ، صرخ الرجل بذعر وقال : ويحك الم يسلم احد من المنزل
- فقال لا يا سيدي
- اخذ الرجل يصرخ ويبكي : ثم وقع على الارض وانشلت يده اليمنى من الزعل والحزن وساقه ، اقبل التجار واخذوا يرثوا له وشاركوه في البكاء والتفجيع ، ثم خرجوا معه من البستان وساروا نحو المدينة من البستان ، وساروا نحو المدينة وقد امسكوا الرجل من كتفه لمساعدته على المشي بعد ان اصيب بالشلل ، وهنا اذا بجمع عظيم يقبل نحوهم ، وفي مقدمته والي المدينة وعمال البناء ون خلفهم زوجة التاجر وبناته وزوجات اصدقائه المدعوين الى الوليمة واطفالهم وهن يبكين بقهر وهيئاتهم مزريه ، فوقفوا مدههوشين وهرعت النسوة نحو التاجر يعانقنه هاتفات :
- حمد لله على سلامتك كيف نجوت من الموت ، هل نحن نحلم كيف عدت للحياة ومن كان يصدق باننا سنراك على قيد الحياة ، ومن كان يصدق اننا سنراك سليما معافي .
والله انا لفي دهشة عظمى ، اتسالنني عن نجاتي واخبرنني انتم عن انفسكن كيف سلمت ارواحكن ، لعكن كنتما خارج الدار اذا هبط السقف ، فقل بتعجب :
- اي سقف
- فقال دهشا سقف الدار الذي سقط فوق رؤسكم
- فازداد عجبهن وقلن :
- انها لم تهبط عليهم ونحن لم نتعرض لشر ولكن عبدك بخيت اقبل علينا وهو يبكي وقال لنا ان الجدار قد سقط عليك ، وعلى اصحابك ، التجار ومتوا جميعا وخرجنا على تلك الحالة مكشوفات الرؤوس ممزقات الثياب، بعد ان حطمنا كل ما في المنزل من تحف وطرف واثاث ثمين وطلينا جدرانه بالاسود .
فقال بصوت يشبه الانين :
ويح بخيت على ما اجرم لقد كذب عليكن فقد زعم بان سقف المنزل هبطت فوق رؤسكم ، وقد بلغ حزني واصبت بالشلل كما ترين .
ثم نظر لي سيدي فوجدني ، مازلت احثوا التراب على وجهي والطم خدى ، وابكي احر البكاء ، فصرخ بي / ويلك يا عبد النحس ما هذا الامر الذي اقدمت عليه ولمماذا فعلت بنا تلك الفاجعة والفعلة الشنعاء ، والله لاسلخن جلدك يا احمق واقبل على ليضربني ، وهنا تحول بكائي الى الضحك الشديد وقلت له :
- انك لا تستطيع فعل ذلك بي لانك اشتريتني على عيبي ، وانت عالم به ، وهو انني اكذب في كل سنه كذبه وهذه نصف كذبة واذا ما انتهت السنه كذبت نصفها الاخر ، فصاخ سيدى بغضب وعيونه تتقضان نارا وغضبا وغيظا :
- ويحك يا العن العبيد انك لداهية اذهب عني فانت حر لوجه الله
فقلت له بهدوء ورباطة جأش :
- ان اعتقتني انت فلن اعتقك حتى تكتمل السنه ولن اتركك ، واكمل باقي كذبتي ، تجمع الناس واستعظموا كذبتي فانكروا كما فعلت وامطروني بالشتائم والضرب ، وساروا مع الرجل منزله ، فوجدوه محطما مخربا فاشتد غيظ والغضب وقال الرجل :
- لعنة الله عليك ايها العبد الاثيم ، لقد فعلت بي كل هذا ، ثم تقول انها نصف كذبه فكيف بها لو كانت كذبة كاملة لابد ان تخرب المدينة باسرها .
قال الوالي بغضب : فقال دعه لي سوف اودبه واذيقه جزاء كذبه ، واخذني الوالي وعذبني كثيرا حتى اعتقد بانني اقلعت عن الكذب ، ولكن لم اقلع فباعني الوالي لاحد التجار، واخذت اكذب على التجار والامراء وانتقل من منزل لمنزل واكبدهم الخسائر الكبيرة حتى دخلت قصر امير المؤمنين .
يتبع ..